مؤشرات خطيرة تنذر بالتراجع عن حرية الصحافة
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق ل3 ماي والذي يتزامن مع الذكرى الرابعة لإرساء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري،
يهم الهيئة أن تتوجه للرأي العام بالبيان التالي:
عملت الهيئة منذ تركيزها على ضمان حرية الاتصال السمعي والبصري واستقلاليته وسعت إلى تعديل القطاع وتنظيمه وتكريس مبدأي التعدد والتنوع بهدف القطع مع منظومة توظيف الإعلام واحتكاره، رغم مواجهتها -منذ انطلاق عملها في 03 ماي 2013- حملات ممنهجة لإعاقتها عن أداء وظائفها قادتها شبكة تتكون من بعض رؤوس أموال متحالفة مع جهات سياسية سعت بطرق متعددة إلى الضغط في سبيل حماية مصالحها الخاصة.
إن ما تحقق، إلى حد هذا التاريخ، في مجال حرية الإعلام، وعلى أهميته، لا يمكن أن يحجب المؤشرات السلبية المتفاقمة التي نبهت الهيئة في أكثر من مناسبة إلى خطورة انعكاساتها على حرية العمل الصحفي واستقلاليته. ومن أهم هذه المؤشرات:
- عدم تحمل الحكومة لمسؤولياتها في دعم مسار إصلاح الإعلام ومن ذلك التلكؤ في ملف إصلاح الإعلام العمومي والتراجع عما تم الاتفاق عليه بخصوص تسمية الرؤساء المديرين العامين على رأس منشآته على أساس عقود أهداف ووسائل ومدة محددة كضمانة من ضمانات الاستقلالية، فضلا عما تم ملاحظته من انفراد بالقرارات في علاقة بالمنشآت الإعلامية المصادرة في غياب تام للشفافية، واعتماد خيارات في تسمية القائمين عليها أدت إلى عودة رموز إعلامية كانت في خدمة النظام الدكتاتوري السابق.
- عدم تيسير عمل الهيئة للقيام بوظائفها والتغاضي خاصة عن ظاهرة القنوات التي تبث خارج إطار القانون والتي تجد دعما من قبل بعض الأحزاب الحاكمة إلى درجة إصدار بيانات مساندة لوضعيات غير قانونية باسم دفاع مزعوم عن حرية التعبير واللجوء إلى خدمات أحد أصحاب الإذاعات المقرصنة كمستشار لدى إحدى الوزارات.
- طريقة تعامل الأحزاب الحاكمة مع ملف الإعلام مما أدى إلى الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون وإضفاء نوع من الحصانة والتأييد لبعض المتنفذين القائمين على منشآت ترفض الالتزام بالقوانين المنظمة للقطاع والقرارات الصادرة عن الهيئة.
- عدم مصادقة الحكومة على النظام الأساسي لأعوان الهيئة ونشره مما أثر سلبا على سير عملها وتركيز جهازها الإداري رغم المراسلات الموجهة لرئاسة الحكومة في الغرض.
- عدم تحمل الحكومة لمسؤولياتها في علاقة بالصعوبات المالية التي يواجهها الإعلام الجهوي والجمعياتي والتسويف في مسألة توفير الدعم له مما أدى إلى مضاعفة هشاشة هذه المنشآت وجعلها عرضة للابتزاز والتوظيف بما يهدد استقلاليتها واستمراريتها.
إن الهيئة، ورغم الصعوبات التي لا تزال تواجهها ورغم تراكم المعطيات التي تنذر بالتراجع عن الخيارات الدستورية في علاقة بالحريات، فإنها سعت إلى التواصل مع الحكومة في مختلف الملفات، وعلى رأسها مشروع القانون المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري البديل للمرسوم عدد 116 لسنة 2011، دون أن يقابل ذلك تفاعلا جديا. وفوجئت بأن التوجهات الأساسية التي اعتمدتها الحكومة في صياغة مشروع القانون الجديد تؤكد أن رؤيتها للإعلام ترتكز على خيارات تتناقض مع قيم حرية الصحافة الواردة في الدستور.
إن إصرار وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان على تجزئة القانون المتعلق بالاتصال السمعي والبصري وتشتيت النصوص القانونية ذات الصلة، إضافة إلى إقرار الترشح الحر لعضوية الهيئة بما من شأنه أن يؤدي إلى المحاصصة الحزبية وإصرارها على تمرير هذا الخيار تحت غطاء استشارات صورية وشكلية، ينذر بخطر إجهاض ما تحقق من مكتسبات في مجال حرية الإعلام وضرب مسار استكمال بناء الدولة الديمقراطية.
ولقد عارضت الهيئة والخبراء ذوي الاختصاص والهياكل المهنية ومنظمات المجتمع المدني هذا التمشي لما يحمله من مخاطر على استقلالية الهيئة وعلى وظيفتها التعديلية بالنظر للدور الذي تلعبه في ضمان التعددية والتنوع وحضور مختلف الحساسيات السياسية والفكرية استنادا لوظيفتها الدستورية المتمثلة في دعم الديمقراطية وضمان حرية التعبير والإعلام،
إن بلادنا تعيش اليوم لحظة مفصلية في مسار حرية الصحافة تستوجب تجميع الطاقات من مهنيين وأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه التراجعات الخطيرة، كما تنتظر مواقف تاريخية من نواب الشعب لتصحيح المسار والحيلولة دون تمرير قوانين فيها ضرب لحرية واستقلالية العمل الصحفي.
وبهذه المناسبة أيضا يهم الهيئة أن:
- تدعو كل القائمين على المؤسسات الإعلامية إلى تحمل مسؤولياتهم، خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، والنأي بمنشآتهم عن كل ما يمكن أن يمس من استقلاليتها ويضر بإنجاح المسار الديمقراطي والإيفاء بالتزاماتهم وفي مقدمتها تحسين وضعية الصحفيين الاجتماعية.
- وتدعو الصحفيين إلى التشبث بالقواعد المهنية وأخلاقياتها ورفض كل ما من شأنه أن يمس من صورة الصحفي ومصداقيته والتصدي لكل محاولات التوظيف خدمة لأجندات تتناقض مع نبل الرسالة المنوطة بعهدتهم.
عن الهيئة العليا المستقلة
للاتصال السمعي والبصري
الرئيس
النوري اللجمي