دور الهيئات المستقلة في تكريس الديمقراطية وضمان المساواة داخل المجتمع
شهدت تونس يومي 13 و14 نوفمبر الجاري ندوة دولية حول دور الهيئات المستقلة في دعم الديمقراطية، وذلك في إطار الورشة السادسة للثقافات الديمقراطية التي نظمتها لجنة البندقية بالتعاون مع مجلس أوروبا ووزارة الشؤون الخارجية التونسية. وقد قام المتدخلون بطرح مختلف الإشكالات المتعلقة بالهيئات ومناقشتها حيث أكد السيد شفيق صرصار، الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في الجلسة الأولى أن الأزمة التي تعيشها المؤسسات في تونس ومختلف الصعوبات التي تعترضها تعكس بدورها أزمة أكثر عمقا. حيث أن الهيئات المستقلة والدستورية لم تنأى عن بعض الضغوطات المسلطة عليها خاصة في ما يتعلق باستقلاليتها المالية، وهو ما من شأنه أن يحد من دورها في ضمان وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم. كما قام المتدخلون في مختلف الجلسات بتقديم حلول ومقترحات لتدعيم دور الهيئات المستقلة وضمان نجاعتها وإنجاح عملها.
الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تسعى لتكريس مبادئ الديمقراطية
إن خيار إحداث الهيئات المستقلة بعد الثورة يعكس انطلاقة مسار طويل لاستكمال تركيز الديمقراطية ويستجيب لحاجة ملحة في تحقيق التوازن على مستوى توزيع السلط مقابل سلطة كلاسيكية إدارية وسياسية. لذلك لابد من استكمال الإطار القانوني لهذه الهيئات وتحديد إجراءات واضحة وشفافة خاصة في علاقة باختيار أعضائها. حيث أكد السيد النوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، خلال مداخلته في هذه الورشة، على أهمية دور هذه الهيئات في دعم الديمقراطية وتعزيز المساواة بين الجميع وعلى ضرورة ضمان استقلاليتها لتحقق التوازن كسلطة مضادة وضعت لخدمة المواطنات والمواطنين وحماية حقوقهم.
وفي انتظار المصادقة على قانون أساسي يتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري، تم التأكيد خلال هذه الورشة على ضرورة التسريع في مناقشة مشروع هذا القانون في مجلس نواب الشعب وضمان تحقيق أهداف التعديل من خلال حسن تنظيم عمل الهيئة وضمان نجاعته بهدف تنظيم القطاع.
الإعلام قطاع مؤثر
لطالما كان الإعلام محل أنظار السياسيين سواء في تونس أو خارجها اعتبارا للدور الذي يقوم به في علاقة بنشر أو بث المعلومات وبالثقافة وبالانتخابات. فالإعلام بلغة أخرى مرآة للمجتمع وهو الذي يشكل صورته في المستقبل، لذلك فإنه من الضروري تمكين الهيئة التعديلية من الوسائل اللازمة للقيام بمهمتها على أكمل وجه. وفي هذا السياق أكد السيد النوري اللجمي على أهمية تحرير قطاع الإعلام لكن مع ضرورة الانتباه إلى ما يشوب وسائل الإعلام من اختلالات. وأضاف أن استقلالية وسائل الإعلام السمعية والبصرية ليست مسألة يسيرة خاصة بالنظر للإرث الذي خلفه النظام السابق. وهو ما يضاعف القلق على مستقبل وضعية الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وخاصة في علاقة باستقلاليتها.
وأكد رئيس الهيئة على أن هذه المخاطر التي لا تسهل معاينتها من قبل المواطنين قد تؤثر على حسن سير عمل الهيئة وحتى على وجودها. من ذلك مسألة تمويلها التي مازالت مرتهنة بيد السلطة التنفيذية. والسؤال المطروح هنا: هل يمكن أن نتصور اليوم نظاما ديمقراطيا، تمثل الانتخابات وحقوق الإنسان والنفاذ إلى المعلومة أهم أسسه، تكون الكلمة الفصل فيه للسلطة التنفيذية؟ وهل يمكن أن يحافظ على رصيد من الشرعية في ظل ارتهانه لهذه السلطة؟.
حلول ومقترحات
تم خلال هذه الورشة تقديم مقترحات عملية من قبل مختلف المتدخلات والمتدخلين حيث أكدوا على ضرورة دعم الهيئات المستقلة من خلال النصوص القانونية والضوابط التي تنظم عملها.
إن ما يميز السياق التونسي هو التنصيص على بعض الهيئات المستقلة في الدستور وهذا في حد ذاته مكسب هام على خلاف عديد الدول الأخرى وبعض الدول الأوروبية. والآن حان الوقت لتدعيم هذا المكسب من خلال مجموعة من الضمانات من أهمها تخصيص قسم خاص في قانون الميزانية للهيئات المستقلة ووضع إجراءات خاصة باختيار أعضائها تضمن استقلاليتهم وتجنبهم أي إمكانية للضغط أو الاستقطاب.
الفصل 125 من الباب السادس من دستور الجمهورية التونسية الخاص بالهيئات الدستورية المستقلة
” تعمل الهيئات الدستورية المستقلة على دعم الديمقراطية. وعلى كافة مؤسسات الدولة تيسير عملها.
تتمتع هذه الهيئات بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية، وتُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية معززة، وترفع إليه تقريرا سنويا يناقش بالنسبة إلى كل هيئة في جلسة عامة مخصصة للغرض.
يضبط القانون تركيبة هذه الهيئات والتمثيل فيها وطرق انتخابها وتنظيمها وسبل مساءلتها.”